


حازت على جائزة BRIT الموسيقية البريطانية، أدت دور البطولة في مسلسل Top Boy ويتصدر اسمها قائمة المشاركين في مهرجان Glastonbury الإنكليزي، لذا من المنصف القول إنَّ المؤلفة الموسيقية ومغنية الراب والممثلة البريطانية - النيجيرية LITTLE SIMZ تعيش لحظة مجيدة - وليست هذه سوى البداية في مسيرة هذه الفنانة المتعددة المواهبة. وهي تتحدث في هذه المقابلة عن العائلة والحرية وإيجاد هدفٍ سامٍ مع الآخرين، وتكشف كيف تعيد المواهب السوداء الشابة تشكيل صورة الفن عموماً، وليس الموسيقى فحسب

”أُريدُ الآن أن أُدرج الراحة في برنامجي وجدول أعمالي وأنْ أُفهِم الناس أنَّ يوم العطلة المُدوَّن في مفكرتي يعني عدم التزامي بأي عمل. يعني أنني أرتاح. لم أعرف قبل اليوم كيف أفعل ذلك وما زلت أشعر في يوم العطلة أنّه يتعيّن عليّ القيام بأمرٍ ما“.
عندما أكّدت Little Simz على هذا الأمر، كنّا نتحدث في أحد أيام العطلة الثمينة تلك. كانت مستلقية على أريكتها ترتدي بلوزة بدون أكمام بيضاء غير رسمية، وتخطط لتمضية بقية اليوم في ”المطالعة والتنزه“، لكنها أجرت على الرغم من ذلك مكالمة بالفيديو معي. بدت مسترخية، تتناول وجبة خفيفة وتتوقف للتفكير ملياً قبل كل إجابة.

”في الواقع، لستُ مضطرة للقيام بأي شي“، تابعت قائلةً. ”لم أكنْ أعرف مقدار الرضا الذي يمكن أن توفره لي العطلة واضطُررت إلى إعادة برمجة طريقة تفكيري. أُفضّل أنْ أستقطع الوقت قبل أنْ أُضطر إلى أخذ الوقت المستقطع“.
تحدثتُ مع Little Simz (واسمها الكامل Simbiatu Abisola Abiola Ajikawo) في يوم هادئ ونادر خلال صيف محموم بالجولات الغنائية والتصوير السينمائي، وكان كلامها مليئاً بعبارات بليغة مثل جملتها الأخيرة - وهي دليلٌ على أنها فعلاً شاعرةٌ غنائية حادة ومفكرة عميقة وكاتبة رواية رصينة.
في الواقع، بعد عقد من العمل الشاق وإصدار ألبومها الرابع، Sometimes I Might Be Introvert في عام 2021، شهِد العام الماضي تألق نجومية مغنية الراب والممثلة البريطانية إلى أوسع مدى. من دورها المشهود له في شخصية Shelley في مسلسل Top Boy الشهير على Netflix و فوزها عدة مرات في حفل جوائز BRIT ، إلى مجموعة عناوينها الشهيرة في مهرجان Glastonbury ، تجدر ’متابعة هذه الفنانة‘ لأنها في طريقها الآن لأنْ تُصبح اسماً مألوفاً.


وعلى الرغم من هذا النجاح، فإن ابنة الثمانية والعشرين ربيعاً غير راضية. ”لا أشعر بالراحة، وهذا يجعلني أرغب في العمل بجدية أكبر وبطريقةٍ أذكى. لا يتعلق الأمر بقبول كل فرصة تتاح لي وإنما بفهم الفرص التي ستساعدني على تغيير مساري إلى درجةٍ ملحوظة“، تقول قبل أن تصمت وتُطرق في التفكير مجدداً. ”بقدر ما أعيش النجاح، أنا مدركة لحقيقة الوضع. أعلمُ أنها مجرد لحظات“، تُتابع بشكلٍ قاطع. ”في السنة المقبلة، سيتصدر شخص آخر عنوان Glastonbury، وسيتم اختيار شخص آخر في القائمة المختصرة لجائزة Mercury، وسيحظى شخص آخر بلقب ’أفضل فنان جديد‘. بقدر ما الأمر ساحر الآن، وأنا ممتنة جداً، فإنه لا يدوم إلى الأبد. وهو يجعلني تواقة أكثر... أعلم أنَّ علي العمل بمزيد من الجهد والتصميم“.
لا تخافين من رفض العروض، ولكنْ ما هي الفرص التي تضطرين إلى قبولها؟ ”الأعمال التي تشكّل لي تحدياً أو تدفعني إلى التفكير بطريقة خلاقة وإبداعية“، تُجيب. ”أنا لا أفعل الشيء نفسه مرتين. لن أصنع ألبوم أغانٍ آخر مثل ألبومي الأخير لأنني قمت به وانتهى الأمر. يتعلق الأمر بإيجاد الأفكار التي تثيرني وتتيح لي تمرين خليةً أو عضلةً مختلفة، لأنني في نهاية المطاف أحاول أنْ أبلغ أسمى ما في ذاتي، هل تفهمين ما أعني؟“
أفهم تماماً. لقد تابعتُ مسيرة Simz باهتمام منذ صدور ألبومها الأول A Curious Tale of Trials + Persons، عام 2015، ولطالما كان تصميمها وتركيزها واضحين. من العروض الآسرة والالتزام بمهنتها التي تتجلى في مقاطع الفيديو الموسيقية الإبداعية، إلى ستايل إطلالاتها الرائع (طلبت كل من دار Bottega Veneta، Prada و Gucci التعاون معها) وتجربتها في تخطي الأنماط السائدة، فإن رؤية الفنانة فريدة.

نشأت Simz في عزبة في إيسلينغتون، في شمال لندن، مع شقيقتيها الأكبر منها وأمها المتفانية. ولأنني ترعرعتُ أيضاً في إيسلينغتون، تِقتُ إلى معرفة المزيد عن Mary’s Youth Club - وهو مركز الشباب المحلي في St Mary’s Church حيث عززت Simz شغفها وطموحاتها. قالت لي: ”انتظرتُ بفارغ الصبر تخرجي من المدرسة للذهاب إلى St Mary“. ”إنه المكان الذي سمح لي بصقل مهاراتي القيادية. بدأت في تعلّم الرقص هناك. بعد بضعة أعوام، أسست فرقتي للرقص. أتاحت لي تلك البيئة بالارتقاء إلى مستوى أعلى والحصول على الدعم. لم يسألني أحد مثلاً: ’ماذا تقصدين بقولك إنك تريدين تعليم الرقص؟ عمرك 13 عاماً فقط ‘.
وتتابع قائلةً: ”لقد أثَّر هذا بالتأكيد على حياتي كبالغة“. ”متى تعلمتُ مهارةً جديدة، أسألُ نفسي: كيف يمكنني الارتقاء بها؟ كيف يمكنني تعليم ما تعلمته أو تمرريه لأجيال المستقبل؟ كان نادي St Mary مركزاً رائعاً فعلاً. إنه المكان الذي قابلتُ فيه [المُنتِج الموسيقي] Inflo، الذي أعمل معه اليوم؛ عائلاتنا جميعاً هناك متقاربة ومتحدة جداً“.

يتهدج صوت Simz قليلاً وهي تتحدث عن عاملة معينة في Mary’s Youth Club. ”كان هناك سيدة تُدعى Natalie. أنفعل عندما أتحدث عنها، لأنها لن تعرف أبداً مدى تأثيرها على حياتي... كانت في ذلك الوقت بمثابة مرشدة لي. كانت مهمة جداً بالنسبة إلي“.
والشخص الآخر الذي كان له أثر كبير في حياة Simz هو والدتها، التي تعتبرها المصدر الأساسي لنجاحها. لقد جعلتها حتى في حفل توزيع جوائز BRIT في شباط الماضي تصعد معها إلى خشبة المسرح لتسلم الجائزة، وقالت في خطاب مؤثر: ”انظري إلى ما حققتِ يا أمي!“
”ما أنا ممتنة له حقاً هو قدرتها على الاستمرار في التعلُّم“، تقول لي. ”إنها منفتحة لتخبرنا أنها مثل كل البشر، ولا تملك كل الإجابات. وتريد أن تأخذ بنصيحتي ورأيي في الأمور“.
أصبَحَت والدتها راعية حاضنة عندما كانت Simz في الحادية عشرة من عمرها، الأمر الذي هز في البداية أسس منزلهم، لكنه سرعان ما أدى إلى اكتسابها المزيد من الوعي والبصيرة. ”تعلقتُ بأحد الأطفال وأخذت وقتي لمعرفة قصصهم. أدركت حينها، وللمرة الأولى، مدى أهمية وظيفة أمي، وكيف أنها تغير حقًا حياة هؤلاء الأطفال وتقدم لهم منزلاً واستقراراً وحباً ورعاية - كل الأشياء التي حُرموا منها نوعاً ما“، تقول Simz. ”لقد اكتسب عمل أمي معنى جديداً في نظري، ومن ثمّ، مع ازدياد عدد الأطفال، صرتُ أعمالهم كأخوة لي وأعتني بهم وأخرجهم للتنزه وأصطحبهم لمشاهدة عروضي. وإلى يومنا هذا، لا يزال الأطفال يزورون والدتي في عيد الميلاد، ويحضرون أطفالهم الصغار. نعم، عائلتي كبيرة جداً“.

بدا جلياً أن الأسرة والمجتمع يعنيان لها الكثير. عندما سألتُ Simz عن الموسيقيين الذي يثيرون اهتمامها، تَلَت لائحة من أسماء الشابات السود الموهوبات من دون تردد. ”فنانات من مثيلات Cristale، Flohio، Shaé Universe، Tems... هناك حقاً مجموعة منا على الطريق الشهرة والنجاح ومشاهدتهن مثيرة. أشعر أنَّ عهداً قائمٌ بيننا، من دون أن نقول شيئاً؛ أننا سندعم بعضنا البعض دوماً. ما أحاول تصوّره هو أنَّ نجاح الفرد منا سيكون فوزاً للجميع، والعكس صحيح.
”أريد العام المقبل في حفل جوائز BRITs أن أرى خمسة منا يحوزون على مركز ’أفضل فنان جديد‘، أود أن أرى خمسة منا في القائمة المختصرة لجائزة Mercury“، على ما تتابع. ”هذا هو الفوز الحقيقي لأنه يعني التغيير. لطالما اعتقدت أن هدفي الحقيقي هو أن أكون في الخدمة. أنا دائما على استعداد للتحدث مع الناس وتبادل الآراء. وهذا أمر لم يتسنَّ لي كثيراً في مجال عملي. ربما لأنَّ الذكور يهيمنون عليه بشكلٍ كبير - من المفيد أحياناً أن تقف امرأة إلى جانبك مرت بظروفٍ مماثلة لظروفك. هذا ما أريد أن يتحقق لمواهب الغد“.
ومع ذلك، تُقرّ Simz بأن بعض التقدم قد أحرز في المجالات التي تعمل فيها، التي كانت ذات يوم بيئات نخبوية خالية من الأصوات المتنوعة ويقودها بشكلٍ شبه كامل الذكور. ”الأوضاع تتحسن بالتأكيد. أرى الكثير من النساء السود يبرعن في الموسيقى والأفلام. لقد تم دفعنا إلى المقدمة ونحصل على وقت على الهواء. يُريد الناس أن يرووا قصصنا، ويُظهروا وجوهنا، ويُقدمون لنا أفخر الأزياء، ويدعوننا إلى المناسبات“، كما تقول. ”إنه أمر فظيع ولكن في الوقت نفسه، آمل ألَّا يُعمي أبصارنا ذلك. آمل أن نستمتع بهذا الوضع ولكنْ أنْ نفهم كذلك القوة والتأثير اللذين نملكهما. أنُ نُبدي [أننا] أذكياء في التعامل مع هذا الظرف ونفهم أن قيمتنا وجدارتنا تساوي ثلاثة أضعاف ما يُقدم لنا في أوّل عرض عمل. أعتقد أننا إذا فهمنا ذلك، [فإننا] سننعم بمزيد من النجاحات“.


يبدو واضحاً من الطريقة التي تقول بها Simz هذا أنها تدرك وتقدر أهمية كل من موقعها الفريد والبصمة التي يمكنها صنعها. قبل انتهاء مكالمتنا، كشفت Simz عن سرّ لم تُفصح عنه لأحد حتى الآن: إنها تؤلف كتاباً شارفت على نهايته، على الرغم من أن المثقفة المتعددة المواهب لم تُفشِ عن محتواه وتفاصيله.
”أحبّ المطالعة وأعشق الكتب... بدأتُ للتو بالكتابة لأنني أدوِّن يومياتي ووجدتُ الأمر رائعاً“، تقول بهدوء. ”بعد أن كتبت جزءاً كبيراً منه، سألتُ نفسي: ’لماذا التزمتُ بهذا العمل؟!‘ لكنَّ رغبتي في إحداث تأثير وتحقيق إنجاز يدوم طويلاً وإيجاد طرق مختلفة لاستخدام موهبتي دفعتني قدماً ... إنها نعمة أنني قادرة على الإبداع في عدة مجالات. لا أطلب ثناءً أو مديحاً. أعلمُ فحسب أنني تلقيت نعمةً ولا أريد إساءة استخدامها، بل أريد استخدامها لفعل الخير - أريد إحداث تأثير وترك إرث نوعاً ما“. ليست مقابلة سيئة لمن اعترفت بأنها انطوائية.
تصويرPetros

أناقتك على طريقتك - مقابلة مع Beauise Ferwerda
